السيد الرئيس :
يتوجه هذا الخطاب إليك ، لا ليشكو إليك فأنت مصدر بلاء هذه الأمة ، وأنت طاغيتها وسليل طغاتها ، لكن استبدادك فاق كل المستبدين ، تحكم بالطوارئ منذ توليت الحكم ، فتحت أبواب السجون والمعتقلات ، لكل التيارات السياسية ، يمينا ويسارا ، جعلت التعذيب منهاجا في السجون وأقسام الشرطة ، لوثت الشرفاء ، لفقت لهم القضايا ، لاحقتهم في أرزاقهم ولقمة عيشهم ، قتلت من المصريين المئات بدعوى الاستقرار والأمن ، احتكرت الثروة والسلطة ، مكنت أسرتك وأنجالك من البلاد والبشر ، أطلقت يد زبانيتك تعيث في البلاد نهبا وفسادا ، لقد دمرت الشركات والمصانع وسرحت العمال ، شوهت الزراعة والزراع ، زورت الانتخابات وسرقت أصوات المواطنين ، خالفت الدستور ، تتلاعب بالقوانين والقضاء ، سحلت وأهنت القضاة ، نكلت بمعظم المواطنين وأحلتهم إلى مسوخ وبقايا بشرية ، أسكنتهم مع الأموات في القبور وعشش الصفيح ، جعلت الفقراء يبيعون أعضاءهم البشرية : كلاهم وقرنية عيونهم وأكبادهم ، أبكيت الرجال وأدميت النساء ، في زمنك قتل الأب أبناءه ، وقتلت الأم وليدها ، خوفا من الجوع والتشريد والمهانة ، فكم من عاطل لا يجد عملا ؟ وكم من جائع لا يجد قوت يومه ؟ وكم من مريض لا يجد دواءه ؟ كم من امرأة تقلب قروشها الزهيدة بحسرة في الأسواق ؟ كم من أب لا يجد مصروفات أو نفقات المدارس لأولاده ؟ كم من الصبية والأطفال يتسربون من التعليم الابتدائي والإعدادي ؟ كم من الأطفال يساقون إلي الورش والمسابك والمخابز والميكروباصات ؟ كم من الصبية تتلقفهم ساحات الجريمة والمخدرات الرخيصة ؟ كم من بنت فاتها قطار الزواج ؟ كم من شاب لا يستطيع تكوين بيت أو أسرة ؟ كم من أسرة تقطن في غرفة وحيدة وشقق مشتركة ؟ كم من أسرة تعيش في الإيواء والقبور ؟ كم من أسرة تنفصل وتنهار تحت ضغط الحاجة والعوز ؟ كم من امرأة تخرج للخدمة في بيوت الأغنياء ؟ كم من النسوة والفتيات تدفعهن الحاجة إلي سوق النخاسة والبغاء ؟ كم من عامل يعود خاوي الوفاض من أرصفة العمل ؟ كم من أرباب معاشات تنفذ رواتبهم فور استلامها ؟ كم من شركة دمرت ؟ كم من قوة عمل أهدرت ؟ كم من الأفدنة بورت ؟ كم من خريجي جامعات ومعاهد عليا تتلقفهم أرصفة البطالة ، يندمون علي علمهم وأعمارهم ؟ كم من تاجر وصانع يفلسون وينحدرون إلي الطبقات الدنيا ؟
السيد الرئيس : هذا الخطاب لا يطلب منك عدلا أو إصلاحا ، فقد تسيدت علينا أكثر من ثلاثين عاما ، كنت الحاكم الذي يستبد وينهب ، والحارس الذي يسرق ويكنز ، حكمتنا بغريزة الصقر الذي يفترس صغار الطير ، سلبت من الفقير قوته ، ومن الضعيف ماله ، ومن الحر صوته ، أضعفت بلادنا ، أهنت تاريخنا ، قتلت منا الكثير في عرض البحر ، وفحمت منا الكثير في القطار ، وأسلت دماء الكثير منا تحت الصخر ، في زمنك قتل المسلم والمسيحي ، نمت الطائفية والتعصب وثقافة الكراهية ، كراهية الحياة ، وها نحن الآن نشعل النار في أجسادنا ، صار الموت أحب إلينا ، ضاقت بنا الحياة في ظل حكمك ، لقد ضقنا منك وضقنا بك ، فاستقل ، أهنأ بما نهبت ، وانعم بما سلبت ، وارحل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق